الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
القرآن كلام الله تعالى أنزله على عبده ورسوله محمد ، - صلى الله عليه وسلم - ، ليكون هدي ونورا للعالمين إلى يوم القيامة ، وقد أكرم الله صدر هذه الأمة وغيره بحفظه في الصدور ، والعمل به في جميع شؤون الحياة ، والتحاكم إليه في القليل والكثير ولا يزال فضل الله سبحانه ينزل على بعض عباده ، فيعطون القرآن حقه من التعظيم والتكريم حسناً ومعنى ، ولكن هناك طوائف كبيرة وأعداداً عظيمة ممن ينتسب إلى الإسلام حرمت من القيام بحق القرآن العظيم وما جاء عن الرسول ، - صلى الله عليه وسلم - ، وأخشى أن ينطبق على كثير منهم قوله تعالى { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } إذا أصبح القرآن لدى كثير منهم مهجوراً ، هجروا تلاوته وهجروا تدبره والعمل به فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ولقد غفل كثير منهم عما يجب من التعظيم والتكريم لكلام رب العالمين ، ولقد عمت بلاد المسلمين المنشورات والصحف والمجلات وكثيرا ما تشتمل على آيات من القرآن الكريم في غلافها أو داخلها ، ولكن قسما كبيرا من المسلمين حينما يقرأون تلك الصحف يلقونها فتجمع مع القمائم وتوطأ بالأقدام بل قد يستعملها بعضهم لأغراض أخرى حتى تصيبها النجاسات والقاذورات ، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين } .
والآيات دليل على أنه لا يجوز مس القرآن إلا إذا كان المسلم على طهارة كما هو رأي الجمهور من أهل العلم وفي حديث عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله { أن لا يمس القرآن إلا طاهر } ويروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، قال { لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر } .
وعن سعد أنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف ، فإذا كان هذه في مس القرآن العزيز فكيف بمن يضع الصحف التي تشمل على آيات من القرآن العزيز موائد لطعامه ثم يرمي بها في النفايات مع النجاسات والقاذورات ، لا شك أن هذه امتهان لكتاب الله العزيز وكلامه المبين فالواجب على كل مسلم وسلمه أن يحافظوا على المصحف والكتب وغيرها مما فيه آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو كلام فيه ذكر الله أو بعض أسمائه سبحانه فيحفظها في مكان طاهر وإذا استغنى عنها دفنها في أرض طاهرة أو أحرقها و لا يجوز التساهل في ذلك حيث إن الكثير من الناس في غفلة عن هذه الأمر وقد يقع في المحظور جهلا منه بالحكم ، هذا ما يجب على المسلمين العمل به تجاه كتاب الله وأسمائه وصفاته وأحاديث رسوله ، - صلى الله عليه وسلم - ، وعدم الوقوع فيما يغضب الله ويتنافى مع مقام كلام رب العالمين والله سبحانه المسؤول أن يفقنا والمسلمين لما يحبه ويرضاه أن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن يمنحنا جميعا تعظيم كتابه وسنة رسوله ، - صلى الله عليه وسلم - ، والعمل بهما وصيانتهما عن كل ما يسئ إليهما من قول أو فعل إنه ولي ذل والقادر عليه .
الشيخ ابن باز