الحمد لله الذي تواضع لعظمته كلُّ شيء ،الحمد لله الذي نوّر بكتابه القلوب،
وأنزله في أحسن لفظ وأعجز أسلوب، الحمد لله الذي استسلم لقدرته كلُّ شيء ،
الحمد لله الذي ذلَّ لعزَّته كلُّ شيء ، الحمد لله الذي خضع لملكه كلُّ شيء
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد خاتم أنبيائه ،وعاقب رسله ،
خيرة الله من خلقه وخليله، وعلى صحابته الأبرار وآله الأطهار، والتابعين لهم بإحسان
النصح للكتاب
عدّ العلماء تدبر القرآن وتفهم علومه من النصح لكتاب الله؛ وذلك لما ورد في حديث تميم الداري -رضي الله عنه- حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله, ولكتابه, ولرسوله, ولائمة المسلمين وعامتهم)[رواه مسلم].
وقد عد العلماء التدبر للقرآن والوقوف عند أحكامه والاعتبار بأمثاله من النصح له, وقد تنوعت عباراتهم في ذلك، فقد قال النووي -رحمه الله- في بيان النصح لكتابه:
"قال العلماء -رحمهم الله- النصيحة لكتاب الله -تعالى-:هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى ... ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته, وتحسينها والخشوع عندها, وإقامة حروفه في التلاوة ... والوقوف مع أحكامه, وتفهم علومه وأمثاله, والاعتبار بمواعظه, والتفكر في عجائبه, والعمل بمحكمه, والتسليم بمتشابهه, والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخة، ونشر علومه, والدعاء إليه".[التبيان في آداب حمله القرآن,ص113].
وقال ابن رجب –رحمه الله–: "أما النصح لكتاب الله: فشدة حبه وتعظيم قدره؛ إذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه, وشدة العناية لتدبره, والوقوف عند تلاوته؛ لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه, ويقوم به له بعد ما فهمه, وكذلك الناصح من العباد يفهم وصية من ينصحه... فكذلك الناصح لكتاب ربه, يعنى بفهمه؛ ليقوم لله بما أمر به كما يحب ويرضى, ثم ينشر ما فهم في العباد, ويديم مدارسته بالمحبة له, والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه... وقال أبو عمرو ابن الصلاح –رحمه الله-: "والنصيحة لكتابه: الإيمان به, وتعظيمه, وتنزيهه, وتلاوته حق تلاوته, والوقوف مع أوامره ونواهيه، وتفهم علومه وأمثاله, وتدبر آياته, والدعاء إليه".[صيانة صحيح مسلم113].
[من كتاب تدبر القرآن للسنيدي،ص26]