رأى أن الإسلام الطاقة الروحية الهائلة والنفط الطاقة المحورية لاقتصاد العالم.. وأميركا ستتحكم في قوانين اللعبة الدولية
الرياض: بدر الخريف
يعد الملك عبد العزيز واحدا من أعظم الشخصيات التي ظهرت خلال القرن الماضي، إذ استطاع أن يؤسس أكبر مملكة عربية قائمة على أنقاض الثورة العربية وسط ظروف محلية وإقليمية وعالمية بالغة الصعوبة، كما صُنف الملك بأنه أقوى حاكم ظهر في الأمة العربية خلال المائة عام الماضية. وربما كانت تلك القوة مستمدة مما كان يؤمن به ويتحدث عنه دائمًا وهو أن الفرد وحده لا يبني دولة، ولا يقرر مصير أمة، وكان يعرف أن الممالك والدول المهمة لم تقم نتيجة جهود زعيم بمفرده، بل قامت بمجموعة رجال أكفاء، وهذا ما جعله يحرص على كسب كل الكفاءات وضمها إلى دولته. وقد قال يوما لـ «كلايثون» - الجنرال البريطاني: إن الإمبراطورية البريطانية بلغت ما بلغت برجال أكفاء أمثال «كلايثون». فرد كلايثون ليجامل عبد العزيز: نعم ما ذكرته صحيح، ولكن ملك بريطانيا الواسع لم يؤسس إلا في مئات من السنين، ونحن معجبون بك يا عبد العزيز، فأنت في ثلاثين سنة قد أسست ملكًا واسعًا، وإذا استمر لك هذا التقدم فأظن أنه في نصف المدة التي أسسنا فيها ملكنا ستؤسس أنت إمبراطورية مثل أو أكبر من بريطانيا، وهذا ليس ببعيد فأسلافكم العرب قد شيدوا إمبراطورية عظيمة في مدة قصيرة. فرد عليه الملك عبد العزيز مرة ثانية في حذر، وقال: هذه وإن كانت أمنية العرب ولكنني لا أعتقد في نفسي القدرة على تحقيق ذلك، وكل ما أتمناه أن يجعل الله من رجالنا من يماثلكم في الإخلاص والتضحية لبلادهم.
ومما يؤكد عظمة الملك المؤسس وعبقريته أنه يقول دائما: إننا آل سعود لسنا ملوكا ولكننا أصحاب رسالة.
وتجسدت عبقرية الملك من خلال الاجتماع التاريخي الذي عقد عام 1347هـ في قصر الحكم وحضره العلماء والزعماء، ورؤساء الحواضر والبوادي ومن انضم إليهم من كبار رجاله، وتخلف رؤساء الفتنة عن حضور ذلك المؤتمر وأناب بعضهم عنه في الحضور، وسمي ذلك المؤتمر الجمعية العمومية، وبعد افتتاح المؤتمر خطب الملك عبد العزيز خطبة ضافية ارتجلها وعرّف فيها الحاضرين بنعم الله عليهم، وذكّرهم بذلك، وأشار إلى أنه يريد أن يعرف رأيهم فيه شخصيًا وفي أمرائه ليخرج بمعذرة أمام الله وليؤدي ما عليه من واجب، ثم أشار إلى ما هم فيه قبل أن يحكم من فرقة، وقتل، ونهب، وضعف، وأشار إلى أنهم يعرفون هذا جيدًا وأنه لم يجمعهم خوفًا أو رهبة، ولكنه جمعهم لشيء واحد وهو النظر فيمن يتولى الأمر غيره ليختاروا واحدًا يتفقون عليه، وأنه لم يقل ذلك امتحانًا لهم، ولم يترك هذا الأمر عن ضعف، ولكنه يحب أن يرتاح من ناحية، ولأنه يستعيذ بالله من أن يتولى قومًا وهم له كارهون.
وعند ذلك ارتفع صياح الحضور يقولون: (لا والله لا نريد عنك بديلا، ولن نرضى بغيرك)... فاستمر في خطابه معرضًا عنهم، ثم أشار رحمه الله إلى موضوع الخلافات التي بينهم وبينه، وتعهد بأن ينفذ ما يجمع عليه العلماء في مسائل الخلاف ويقبل ما كان أقرب إلى الدليل... ثم التفت إلى العلماء يقول لهم:
(إياكم أيها العلماء أن تكتموا شيئًا من الحق، تبتغون بذلك مرضاة وجهي، فمن كتم أمرًا يعتقد أنه يخالف الشرع فعليه اللعنة، وأظهروا الحق وبينوه وتكلموا بما عندكم).
ويذكر من حضر الاجتماع ودوّن ما دار فيه أن العلماء أجابوا بأنهم يبرأون إلى الله من كتمان ما يظهر من الحق، وأعلنوا أنهم ما نصحوه إلا انتصح ولو رأوا في عمله ما يخالف الشرع لما سكتوا عنه، وهم ما رأوا منه إلا الحرص على إقامة شعائر الدين واتباع ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ونهض أحد الحضور فقال: إننا لا نعرف ما ينتقد به على عبد العزيز إلا (الأتيال) - يريد اللاسلكي - فيقال: إنه سحر، ولا يخفى حكم السحر والسحرة في الإسلام، الثاني (القصور) يعني المخافر التي تبنيها حكومة العراق على الحدود وهذا ضرر على أرواحنا وعلى أوطاننا.
فأجاب عبد العزيز: ليقل العلماء رأي الإسلام في الأتيال.
فأفتى العلماء بأنهم لم يجدوا في القرآن أو السنة أو قول أحد العلماء ولا من العارفين دليلا على تحريم الأتيال وأن من يقول بالتحريم يفتري على الله الكذب ونبرأ إلى الله منه.
وأجاب عبد العزيز عن موضوع المخافر قائلا:
إن القوم يدعون أنكم أنتم الذين بدأتموهم بالعدوان وذلك بقتل السرية العراقية في «بصيه» - وأنتم ما حميتم ذمة ولي أمركم، والعراقيون يزعمون أن تلك المخافر ما بنيت إلا مخافة الخطر منكم.
وانتهى هذا المؤتمر بتصايح الإخوان: إننا نبايعك على السمع والطاعة ونقاتل من تشاء على يمينك وشمالك، إننا نبايعك على مقاتلة من ينازلك ومعاداة من عاداك ما أقمت فينا شريعة الله.
وإذا كان الملك عبد العزيز فضل بحسه الفطري عندما قرر وهو شاب في العشرين أن يسترجع مملكة أجداده من خلال تلمس مراكز القوى وإدراكه أن استمرار حكمه سيظل يتوقف على القوة الجديدة الصاعدة في العالم، خصوصا أنه المؤسس لأكبر مملكة عربية قامت على أنقاض الثورة العربية، فقد قرأ جيدا مستقبل العالم، حيث وجد أن أميركا هي القوة الصاعدة الجديدة التي ستتحكم في قوانين اللعبة الدولية وأن النفط هو الطاقة المحورية لاقتصاد العالم في القرن العشرين، كما شدد الملك على أن الإسلام هو الطاقة الروحية الهائلة التي لا تنضب والتي لا تقوم بدونها أية دولة قوية في أرض العرب، فلذلك اتجه مباشرة إلى إقامة علاقات وثيقة مع واشنطن وأخضع نفطه لحماية أبنائه، وقبل ذلك طبق الشريعة الإسلامية وجعلها منهج حكم ودستور واعتمد ثوابت أساسية لبلاده تنطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
وأعاد الملوك من أبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - وعبد الله - حفظه الله - النهج ذاته، حيث ترجم هؤلاء الملوك كل ما وضعه الملك المؤسس من استراتيجيات وأهداف بعد رحلة كفاح وبطولة في مسيرته الطويلة لبناء الدولة الحديثة وتحويل المستحيل إلى حقائق تنطق بعظمة المسيرة والعمل.
وقدم الأمير سلمان بن عبد العزيز النجل الـ 25 للملك عبد العزيز صورا حية لمواقف تاريخية وجوانب إنسانية من شخصية الملك عبد العزيز، كما قدم نماذج متعددة للفكر التربوي، الذي حرص عليه الملك المؤسس عند تربية أبنائه وجميع أفراد أسرته، معرجا على الحديث عن أساس الدولة السعودية وجهود الملك في تأسيس أول وحدة عربية في جزيرة العرب بعد دولة الإسلام الأولى.
وأفاض الأمير سلمان في الحديث عن مواقف للملك المؤسس تعكس الإيمان الصادق الذي اطمأن في قلب الملك، وروح العدل التي سادت كل نوازعه، ويد الجود التي اكتست بها هباته الوافرة.
وأورد الأمير سلمان في كتابه «ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز» سجلتها ذاكرته عن والده الملك، والمربي الفاضل والقدوة الحسنة، فأراد إظهارها لتظل منارات هادية للأجيال الآتية، ولتكون قصصا تروى عن شخصية المؤسس، الذي قد ملأ اليقين قلبه فأصبح ملكا في كل خصلة من خصال الخير وشمائل الوفاء كما عبر عن ذلك الدكتور فهد بن عبد الله السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز في تقديمه للكتاب الذي قامت الدارة بطباعته.
وشدد الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز على أن تاريخ الملك المؤسس لا يقتصر على جوانب الكفاح وإنجازات التوحيد والبناء فقط، وإنما يتضمن جوانب كثيرة عن شخصيته الإنسانية التي تنهل من مسيرة نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، معتبرا أن رجال التاريخ وشخصياته مثل الملك عبد العزيز تتواصل الكتابة عنهم خلال السنين ويقدم عنهم إلى اليوم ومستقبلا رسائل علمية ودراسات جديدة.
وبدأ الكتاب بالحديث عن الأساس الذي قامت عليه الدولة السعودية، مشددا مؤلفه الأمير سلمان على أنها قامت على أساس الكتاب والسنة ولم تقم على أساس إقليمي أو قبلي أو آيديولوجي (فكر بشري)، موردا في هذا الصدد ما ذكره المؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان عام 1824م إثر سقوط الدرعية في كتابه «تاريخ مصر في عهد محمد علي» وتوقعه عودة قيام الدولة السعودية بقوله: «ولكن ذلك البلد.. يضم في جنباته بذور الحرية والاستقلال، فما زالت المبادئ الدينية نفسها موجودة، وقد ظهرت منها بعض البوادر، ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، ومع أن الفوضى تعم بين الزعماء، فما زال هناك أُسٌّ خصبٌ يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد».
وضمن حديثه عن إعادة تأسيس الدولة السعودية التي بدأها الملك عبد العزيز في سن مبكرة وبأفراد قليلين، وبشعار أساسه كلمة التوحيد، لمح الأمير سلمان إلى أنه وفي الوقت الذي كان فيه بعض الناس ينادي بالوحدة العربية على أساس قومي دون تطبيق، انبرى الملك عبد العزيز يحقق تلك الوحدة عمليا في أغلب أراضي الجزيرة العربية، وفي مهبط الوحي، معيدا إلى الأذهان تلك الوحدة التي حققها نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما أسس الدولة الإسلامية الأولى في الجزيرة العربية على الإسلام، وتوحدت فيها مجتمعات المهاجرين والأنصار دون اعتبار لعصبية، وبهدي هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أصبح للعرب عزهم وقوتهم وانتشارهم.
وعد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة الحاكم العربي الوحيد الذي أحاط به مستشارون من معظم الجنسيات العربية وكان ديوانه في قصر الحكم بالرياض أول مجلس حكم منذ الدولة العباسية وجد فيه العراقي: عبد الله الدملوجي، والسوري: يوسف ياسين، والمصري: حافظ وهبة، واللبناني: فؤاد حمزة، والليبي: خالد أبو الوليد، والتونسي: بشير السعداوي، والفلسطيني: رشدي ملحس.. وغيرهم ممن خدموا عبد العزيز بإخلاص إلى آخر حياته، وهم وإن كانوا يعانون من الحساسيات الإقليمية، لكن عبد العزيز استطاع بقوته أن يكوّن منهم مجموعة متناسقة تعمل وفق إرادته وفي إطار ما يخططه، ولم يستطع أي مستشار مهما بلغت مكانته عنده أن يفرض عليه خطا سياسيا أو أن يزج به في قضية يتولاها ذلك المستشار.
وشدد المؤرخ والباحث عبد الرحمن بن سليمان الرويشد في رصده لتاريخ قصر الحكم وأعماله على أنه لا يجوز أن نفهم أن هؤلاء المستشارين كانوا (إمعات)، بل على العكس كانوا من مشاهير العرب المجاهدين في بلادهم ولهم مكانتهم الكبيرة، لكنهم وجدوا في عبد العزيز ما يحقق أحلامهم فالتحقوا به ووضعوا أنفسهم بين يديه. وكان عبد العزيز بصيرا في اختيار الرجال، وكان يحب فيهم استقلالية الرأي والقدرة على تقديم المشورة الحقيقية.
وكان مستشاروه أحيانا يعارضونه، ويتجاوزون الحد في النقد والمعارضة، وكان مع ذلك يحترم مسؤولياتهم، ويثق بهم. وليس هؤلاء الأفراد فقط هم الذين كان يضمهم ديوان الملك عبد العزيز، بل كان هناك آخرون من البلاد العربية وغير العربية، رجال التفوا حول عبد العزيز واستفاد عبد العزيز من ثقافتهم ومشورتهم في نطاق أهدافه العربية والإسلامية والحضارية.
هذا ولن ننسى التنبيه على نظام سياسي هو من مبتكرات الملك عبد العزيز، وهو اعتماد شخصيات كبيرة لها وزنها الديني والعلمي من مواطني هذا البلد يعيشون خارج الحدود، وقد اعتمدهم الملك عبد العزيز ليكونوا ممثلين له ووكلاء عنه خارج بلادهم وخارج هذا القصر.
وشدد الدكتور عبد الرحمن الشبيلي الباحث والمؤلف وكاتب السير في كتابه «محمد أسد هبة الإسلام لأوروبا» على أنه باستقراء ما كتبه، وبخاصة في سيرته الذاتية «الطريق إلى مكة» وما كتبه عنه غيره، كيف أنه طوال الثلث الأول من عمره لم ينشغل بالسياسة، اللهم باستثناء موقفين مر بهما في أثناء إقامته في المملكة العربية السعودية.
الموقف الأول: كان ذا طبيعة إعلامية سياسية روى تفصيله في كتابه: «الطريق إلى مكة»، حينما طلبه الملك عبد العزيز ذات يوم من عام 1929م، وهما في الرياض، وكان أمام الملك كومة من الصحف العربية وفي يده جريدة مصرية، وبعد أن امتدح الملك تقارير محمد أسد الصحافية، عن مشكلات الحدود مع العراق، قال له: «أريد يا ولدي منك أن تقف بنفسك على مصادر بنادقهم وأموالهم، وإني على ثقة من معلوماتي، لكنني أحب من شخص مثلك، لا علاقة له مباشرة بالأمر، أن يخبر العالم بالحقيقة».
ويبدو من سياق الحديث وتاريخه، أن الملك عبد العزيز كان يقصد المجموعات المتشددة من قبائل البادية «المسماة تشكيلات الإخوان» الذين ناوأوا الملك عبد العزيز في تلك الفترة، ووقعت بينه وبينهم معركة «السبلة» عام 1928م.
وقد رأى محمد أسد في استجابته لهذه المهمة تأكيدا للمحبة المتبادلة بينه وبين الملك عبد العزيز، كما أنها كانت تعد بفتح صحافي له، فقد دللت روايته لها على أنه استثمرها لأغراضه الصحافية، إذ يقول: «أما سلسلة المقالات التي كتبتها فيما بعد، فقد بينت لأول مرة أن وراء تلك المشكلة دولة أوروبية كبرى تهدف إلى إرجاع حدود ابن سعود نحو الجنوب، وسرت موجة من الحماسة إثر نشر مقالاتي في الصحف الأوروبية والعربية، المصرية بالذات».
ولقد كانت تلك المهمة الإعلامية السياسية، التي كلفه بها الملك عبد العزيز، غاية في المخاطرة الأمنية، ذلك أنه اجتاز منطقة تسيطر عليها - في تلك الفترة - قوات مناوئة لحكم الملك عبد العزيز، ولا بد أن كتاباته الصحافية عن تلك الرحلة كانت تصف ما اعترض طريقه من صعوبات، وقد ورد وصف شائق لها في كتابه، فضلا عن أنها كشفت الدسائس التي كانت تحاك ضد الدولة السعودية.
توافرت للملك عبد العزيز من الصفات القيادية ما مكنه من حمل المسؤولية وتأسيس دولة حديثة كانت المنطقة في أمس الحاجة إليها، حيث استطاع أن يوحد بلدانا وقبائل وشعوبا، وأن ينشر الأمن والاستقرار في منطقة شاسعة.
من خصال الملك عبد العزيز إيمانه بالله قبل كل شيء، وتمسكه بالعقيدة ونبل هدفه الذي اعتمد فيه على الله عز وجل، ثم على أبناء شعبه وقوة شخصيته وموهبته القيادية وحكمته المتميزة، ومن صفاته أيضا صبره على المكاره وإنسانيته ورحمته بالغير، وعفوه عند المقدرة، وعرف عن الملك عبد العزيز أنه لم يحقد على أحد حتى تجاه من ناصبه العداء أو أساء إليه، بل تمكن من تحويل خصومه إلى أصدقاء مخلصين وعاملين له.
وكان - رحمه الله - بارا بوالديه، واصلا لرحمه، عطوفا على الفقراء والمساكين، محبا للعلماء، ومقربا لهم في مجالسه الخاصة والعامة.
وقد شملت مرحلة التأسيس والبناء في عهد الملك عبد العزيز منذ دخوله الرياض عام 1902م العناية بالجوانب الدينية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، والتعليمية، والثقافية، وتأسيس العديد من المؤسسات الإدارية، منها: المجالس الإدارية، ومجلس الوكلاء، ومجلس الشورى، وإدارة المقاطعات، ورئاسة القضاء، والمحاكم الشرعية، ووزارة الخارجية، ووزارة المالية ووزارة الدفاع، ووزارة المواصلات، ووزارة الصحة، ووزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وغيرها من الوزارات والإدارات المتعددة، كما شملت عناية الملك عبد العزيز الحجاج والزوار والمعتمرين إلى بيت الله الحرام، فتم في عهده تنظيم الخدمات المقدمة للحجاج وتطويرها، حيث أمر بتوسعة الحرمين الشريفين وتأسيس المديرية العامة للحج وإنشاء المحاجر الصحية، وإيصال مياه الشرب للأماكن المقدسة، ومن إنجازات الملك عبد العزيز الحضارية: عنايته بالتعليم، ونشر المعرفة من خلال تشجيع طلاب العلم، وتأسيس المدارس، وإصدار النظم الخاصة بها، ونشر المؤلفات وتوزيعها. وانطلاقا من حرص الملك عبد العزيز الشخصي على الاستزادة من مناهل العلم والمعرفة، وجه بتأسيس مديرية المعارف، وإنشاء المدارس في أنحاء المملكة، وإنشاء المكتبات وإتاحة الكتب للجميع، وتعد مكتبة الملك عبد العزيز الخاصة المحفوظة اليوم في دارة الملك عبد العزيز بالرياض، والمؤلفات التي طبعت على نفقة جلالته في أنحاء العالم العربي والإسلامي، وظهور المدارس وازدهار الحركة التعليمية في المنطقة، وإنشاء جريدة «أم القرى» ومطبعتها من أبرز الأدلة على عناية الملك عبد العزيز بجوانب العلم والمعرفة.
كما أن توطين البدو، وتأسيس الهجر الذي نتج عنه تكوين مناطق استقرار عديدة في أنحاء المملكة لعدد من القبائل التي اتجه أفرادها إلى أعمال الزراعة والتجارة وإحياء الأراضي التي استقروا بها حتى أصبحت حواضر مزدهرة، يعد من أبرز المشروعات المتعلقة بالتطور الاجتماعي في المنطقة الذي حقق نتائج عظيمة في حياة المجتمع المحلي، وفي ازدهار المنطقة عمرانيا وسكانيا.
ولتأكيد مواقفه السياسية على الساحة الدولية من خلال مقابلة القيادات السياسية المؤثرة، فقد زار الملك عبد العزيز الكويت، والبصرة، والبحرين، ومن أبرز زياراته الخارجية تلك التي قام بها إلى مصر في عامي 1945م و1946م.
كما أنه أوفد أبناءه إلى الخارج في مهمات سياسية عديدة كان لها الأثر البالغ في تأسيس مكانة عربية وإسلامية ودولية للمملكة