كثيرا ما يدهشني ارتباط الانسان وجدانيا بالمكان والزمان والأشخاص الذين ربما لم يعد لهم وجود في حياته ،
يدهشني ان يغزو القلب نوع من الحنين المشوب بالألم من ذكرى بعيدة ، لمجرد المرور من شارع له قصة ، أو من مجئ تاريخ له مناسبة ، او من استنشاق عطر يهيج في النفس ألف سؤال عن الرحيل والذين رحلوا ؟!
في مكان محدد وزمان مر وانتهى ومع أشخاص أغلى من المال والنفس نكون قد عشنا حياة لن نعيشها من جديد ، عشناها بالفرح والحزن والألم والراحة ، حياة بالنسبة لنا كانت عن ألف حياة، فأخذنا منها عصارة التجربة ، واستنفذنا بها أكثر المشاعر .
قد تكون طفولة شقية في حارة قديمة ، وقد تكون رحلة دراسية ملئية بالكد والجلد حتى تحقيق الهدف ، وقد تكون حياة زوجية مع شريك لا ينسى ... كثيرة هي الوجوه لأيامنا الحلوة ، التي نقشت في قلوبنا ذكرى لن تزول ، نظل نغرق معها مع مقارنة عقيمة في كل تجربة نمر بها بعد ذلك ، ونحس بالقلب يتحرك من مكانه وبالعين يسبح فيها الدمع كلما مرت الذكرى أو هيج الخاطر إليها سبب .
أذكر جار لنا قديم ، كان بيته مسرحا لأيامي الحلوة ، أذكر وجهه الطيب وخطوط الشيب في رأسه الوقور ، أذكر زوجته ذات القلب الكبير ، بناته وأولاده الكثر الذين كان لي مع كل واحد منهم قصة وموقف ومقلب ساخر ، كان بيتهم خلية من النحل ، كل زاوية فيه ممتلئة بالبشر ، في كل ركن تسمع صوتا ، وفي كل دقيقة تتعالى الضحكات هنا وهناك ... كم أحببت ذلك الجو المزدحم ؟!
عاشرتهم سنتين ... كانت من الحلم الجميل ، لكنهم رحلوا لأسباب لم أكن أقدرها كطفلة ، أذكر اني بكيت وبكيت حتى ملني الدمع وهجر العيون ؟!
ولا ازال إلى اليوم ، أراقب بيتهم القديم ومن جاء فاستحل المكان وشوه الذكرى بقصد او بدون قصد ...
لقيت ابنة لهم صدفة مع زوجها ذات يوم ونحن في رحلة سفر وفي وطن غريب ، أحسستها غريبة عني ، دهشتي وتخوفي من أن أخدش الذكرى التي لا زالت قائمة منعتني من ان اكون مرتاحة معها !.. لم أتقبل ان أراها لوحدها ودون ذلك الازدحام الحميم ...
وبقيت أتسأل لماذا يتغيرالأشخاص ؟! ... ولا يتغير ما في النفس ... لماذا يتغير الزمان ؟!... ويبقى ما في النفس ثابتا ...
أليعذبنا ؟!... أم انه وقود نحتفظ به لنكمل المسير دون أن نتعب ؟!
خاطرة مرت في بالي أحببت ان أشارككم بها ^^
سامحوني لاطالتي وشاركونا بكل صراحة وتجرد..
(أيامكم الحلوة التي لن تعود) ؟!