بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمِلْءَ
مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ
مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ
لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا
الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى
آلِه وصحبِه الطيِّبين الطاهرين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
وبعد، فهذه دروسٌ قرآنيةٌ، بدَتْ لي من ثورةِ بلادِنا الحبيبة تونس في
مطلعِ هذا العامِ المبارَك (1432هـ/2011م).
الدرس الأول: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}:
لقد كان يومُ الجمعة العاشر من صفر 1432هـ (14/1/2011م) يوماً من أيام
الله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ
لِكُلِّ
صَبَّارٍ شَكُورٍ}. [إبراهيم: 5].
فقد كان ابنُ علي مُتربِّعاً على سُدَّةِ الحكم وأُبَّهَةِ العرشِ ثلاثاً
وعشرين سنةً {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ}، وهامَ على وجهِه، لا يجد
أين يضع قدمَيْه، بعد أنْ لَفَظَه الشعبُ؛ وضاقَتْ عليه الأرضُ {وَلَمْ
تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ
مُنْتَصِرًا}. [الكهف: 43]. فسبحان مُغيِّر الأحوال! وما أحسَنَ قولَ
الدكتور ناصر العمر: "مكث قُرابةَ ربعِ قرنٍ يحكم البلادَ بقبضةٍ مِن
حديد... فما هي إلا أيامٌ وليالٍ حتى انتفَضَ الشعبُ المستضعَفُ بشكلٍ
أذْهَلَ العالَم، فهربَ الطاغية قاصداً من ولاَّه وتولاَّه؛ فرفضوه حتى
ظلَّ في الأجواء يبحث عمَّنْ يؤويه، شريداً طريداً، ولْنَتَدَبَّرْ هذه
الآية: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ
مِنْ
فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم:26]". [موقع المسلم].
الدرس الثاني: قوّةُ الله وقُهْرُه وجَبَرُوته:
لقد كانت هزيمةُ (ابن علي) في حربِه مع هويّة تونس مسألةَ وقت؛ ولكنِّي
ما
كنتُ أظنُّ أنْ يَأتِيَ يومٌ.. أكتبُ فيه عن هُروبِ (ابن علي) بعد ثلاثةٍ
وعشرين عاماً من الجبروتِ والقهرِ والبطش! فالهروبُ آخرُ ما نتصوَّرُ أنْ
يلجأ إليه (ابن علي)؛ ولكنَّ هذا الفِرارَ آيةٌ بيِّنةٌ على قُوّةِ الله
التي تَقْهَرُ الظالمين وتُذِلُّ المستكبِرِين وتملأ قلوبَهم رُعْباً..
إنها آيةٌ تجعَلُ عَرَبةً صغيرةً لبيعِ الخضر تُسْقِط طاغيةً من كرسيِّ
حُكْمٍ بُولِيسِيٍّ {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14].
ولو تدبَّرتَ ما يسَّرَه الله تعالى بِعِلْمِه وحِكمتِه من الحملة
الإعلامية المتتابعة:
1) بدايةً بالإعلام المقروء: ونشرِ كتاب (حاكمة قرطاج: الاستيلاء على
تونس)
للصحفيين الفرنسيين (نيكولا بو وكاترين غراسيه) الصادر عن دار النشر
"لاديكوفرت"
في 18 ألف نسخة. والذي رفض القضاء الفرنسي الدعوى التي تقدمت بها ليلى
الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي ابن علي لِمَنْعِ صُدُورِه.
2) وإعلام الأنترنت: ونشرِ وثائق ويكيلكس في هذه الفترة الحرجة، ووصف
الوثائق الأمريكية المسرَّبة لفساد نظام ابن علي بأنه (عصابة من
المافيا).
3) وثورة الاتصال الحديثة: وتنامي حملات (الفيس بوك) المؤثرة في تبادل
الثقافة الاجتماعية في تونس، ونجاحها في تغطيةِ أزمةِ البطالة والفساد.
4) ومن الناحية الاجتماعية: بلوغ الغضبِ الشعبي أوْجَ ثورتِه بحادثةِ
حَرْقِ البوعزيزي نفسَه.
5) ومن حيث الإعلام التلفزيوني: ما يسَّرَه الله تعالى بحكمتِه من
التغطية
المستمِرّة لثورة تونس، ومتابعة التونسيِّين لمراحل الثورة بكلِّ وَعْيٍ،
والتوجيه الإعلامي الضخم، وتغطية قناة الجزيرة مسيرة الجمعة الحاشدة التي
أسقطت الدكتاتور.
6) ومن الناحية القانونية: تنبيه الخبير الدستوري السيد الصادق بلعيد على
خطورة اختيار المادة 56 دون 57 وأنه اختيار غير دستوري؛ قد يؤدي إلى
انقلاب
جديد!
7) ومن الناحية السياسية والنقابية: اصطفاف الشعب التونسي كله صفاًّ
بأحزابه السياسيّة ومؤسَّساته النقابِيّة؛ لمواجهة هذا الطاغية.
فلو تدبَّرتَ في اجتِماعِ هذه العوامِلِ الإعلامية والاجتماعية والسياسية
والنقابية: للثورة التونسية؛ لَما وَجَدْتَ جواباً مُقْنِعاً إلا في
قولِه
تعالى: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ
لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ
بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ
لَسَمِيعٌ
عَلِيمٌ}. [الأنفال: 42].
الدرس الثالث: {الآنَ وقد عَصَيْتُ قبلُ وكُنتَ مِن المُفْسِدِين}:
لقد شاهَدَ العالَمُ في المشارق والمغارب الرئيسَ المعزُولَ (ابنَ علي)
وهو
يستجدي شعبَه الغاضب، ويستغيث به بعد أنْ خَضَبَ كفَّه مِن دِماه، وهو
يستَصْرِخُ الناسَ أنني قد (فَهِمْتُكم) وعرفتُ مطالبَكم! ولكنَّ الشعوبَ
لا تَثِقُ في جَلادِيها؛ فكانت هَبَّة شعبٍ مقهُورٍ لم يَعُدْ ينطلي عليه
المكرُ والخداع، وهذا يُذَكِّرنا بِنهايةِ فرعونَ وقد نكَّلَ بالناسِ
{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ
إِلا
الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
(90)
آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)} [يونس
90-91].
وهاهنا لا بد من بيانِ أنَّ أعظَمَ ما كان يَحُولُ بينَنا وبين خَلْعِ
الطاغية المستَبِدّ: ما عشَّشَ في قلوبنا من سَطْوَة الظالم وبطشِه وآلةِ
التهويل الإعلامي التي أرْعَبَتْ القلوب بالهواجس الأمنية؛ فلما رَفَعَ
الله القيودَ النفسيّة المتمثّلة في العجزِ والجبن، ونزَعَ الله مَهابةَ
الطاغية من القلوبِ؛ انتَفَضَ الناس من كل فجٍّ عميق يحطِّمون الأغلالَ
التي كانت عليهم! ولسانُ حالِهم قولُ شاعرِهم الشابي رحمه الله:
ألا أيها الظَّالِــمُ المستَبِدُّ * حَبِـيـبُ الظَّلامِ عَدُوُّ
الحيــاهْ!
سَخِرْتَ بأنّــاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ * وكفُّكَ مخضوبةٌ من دِمـاهْ!
وَسِرْتَ تُشَوِّهُ سِحْــرَ الوجودِ * وتبذُرُ شوكَ الأسَى في رُبـاهْ!
رُوَيدَكَ لا يَخْدَعَنْك الرَّبِيــعُ * وصَحْوُ الفَضاءِ وضَوْءُ
الصَّباحْ
ففي الأفُقِ الرَّحْبِ هَوْلُ الظَّلام * وقَصْفُ الرُّعُودِ وعَصْفُ
الرِّياحْ
حَذارِ فتَحْتَ الرَّمـادِ اللهيـبُ * ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ
الجراحْ
تأمَّلْ هنالِكَ أنَّـى حَصَــدْتَ * رؤوسَ الوَرَى وزُهُـورَ الأمَلْ!
ورَوَيَّت بالدَّم قَلْــبَ التُّرابِ * وأشْربتَه الدَّمـعَ حتَّى
ثَمِـلْ!
سيَجْرِفُكَ السَّيْلُ سَيْلُ الدِّماءِ * ويأكُلُك العاصِـفُ
المشتَـعِلْ!
وشاء الله أن يكون هذا (العاصِف المشتَعِل) محمد البوعزيزي رحمه الله
وعفا
عنه.
الدرس الرابع: فاليومَ نُنَجِّيك ببدنِك لتكونَ لِمَنْ خلفَك آية:
لقد كان هذا الهروبُ المدوِّي لأعظمِ نموذجٍ من الأنظمة البوليسيّة في
المنطقة العربية آيةً بيِّنةً على ضَعْفِ النموذج الفرعونِي المستَبِد
للحُكْمِ والمتحالف مع الغرب؛ ولو قُتِلَ (ابن علي) لنجا من الذُّلِّ
والهوان الذي وَجَدَه وهو يَهِيمُ على وجهِه بعد أنْ طرَدَه شَعبُه
وطارَدَه شَبَحُ محمد البوعزيزي! وأعرضَ عنه حلفاؤه في الغرب؛ فلا
(ساركوزي)
ولا غيره من الرؤساء الذين يخشون انتفاضة شعوبِهم يرضَى بأنْ يُجِيرَ
ويؤوي
مُحْدِثاً؛ فلسانُ الحال: {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ}
[التوبة: 95].
وسبحان الله! ما عَهِدَ الناسُ الجنرالات يهربون! ولَكنّه الدرسُ البليغ:
أنْ يرى المستضْعَفُون جَلادَهم يَفِرُّ مِن غَضْبَتِهم.. بكلِّ ذُلٍّ
وهَوانٍ تعجَزُ عن وَصْفِه قواميسُ البلاغة! ولا نَجِدُ تعبيرا حسناً عنه
إلا في قوله عزّ وجل: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ
لِمَنْ
خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا
لَغَافِلُونَ}. [يونس: 92].
الدرس الخامس: القتلُ أشرَفُ مِن الفِرار:
وقد كان العربِيّ الأصيلُ يُفضِّلُ القتلَ على الفِرار، كما حَصَلَ في
جَيْش أوطَاسٍ حين كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يُطارِدُ عَدُوّا
فرَّ مِن أمامِه، (قَالَ أَبُو مُوسَى: فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ
أَقُولُ
لَهُ: أَلاَ تَسْتَحْيِي أَلَسْتَ عَرَبِيًّا؟ أَلاَ تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ
فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ، فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ).
[صحيح مسلم 7/170، حديث 6562].
لقد ذَكَّرَتْنِي استِغاثاتُ (ابنِ علي) على رؤوسِ الأشهادِ.. ونِداءاتُه
للشعبِ التونسي وقد {حَصْحَصَ الحق} وظهَرَ العَجزُ وضاقت عليه الأرضُ
وقد
كان يستعبِدُ أهلَها مِن قبلُ.. ذَكَّرَتْنِي هذه الاستِغاثاتُ بآياتِ
ربِّنا وقصةِ فرعونَ وهو يستغيث في ساعاتِ هلاكِه.. ويُعْلِن نداءاتِ
التوبة عند الغرغرة! إنها آيةُ الله المتكرِّرة في إمهالِ المجرِمِين
واستِدْراجِهم.. حتى إذا أخَذَهم لم يُفْلِتْهم: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ
الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ
وَقَدْ
كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}. [يونس: 50-51]. {وَكَذَلِكَ أَخْذُ
رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ
شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ
ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ
(103)}.
[هود: 102-103].
فقد يفوت أوانُ التوبة إذا تمادى الظالمون في جرائمهم، فتغلب عليهم
شقوتهم
ويسبق إليهم الخذلان {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي
الْأَرْضِ
جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا
يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ
بِهِمْ
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ
دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا
أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا
كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ
مَا
كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)}. [الزمر: 47-51].
الدرس السادس: لا توبةَ مع الإصرار:
فبابُ التوبةِ الصادقةِ مفتوحٌ ولو قَتَلَ الإنسانُ مائةَ نفسٍ ما دامت
التوبةُ نصوحاً.. أما أنْ يتمادَى المجرمُ في الاستِهانة بأمرِ الله
وانتِهاكِ حُرُماتِه؛ فإنَّ الله يُنكِّلُ به ويجعله عِبْرَةً للناسِ؛
ويأخذُه أخْذَ عزيزٍ مُقتَدِر: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ
قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ
عَلِيمًا
حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي
تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)}. [النساء: 17-19].
الدرس السابع: شؤم المعصية:
سبحان الله.. كيف تضيق الأرض على الظالِم! فلا تَسَعُه أرضٌ ولا سماءٌ
إذا
غضِبَ عليه ربُّه فطرَدَه من رحمته؛ فلسان الحال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ
كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا
آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا
كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) [الدخان : 25-29].
الدرس الثامن: فقه أبي الدرداء رضي الله عنه:
ولله درُّ أبي الدرداء؛ فقد بكى أبو الدرداء رضي الله عنه في فتح قبرص،
حين
رأى ذُلَّ أهلِ قبرص وهَوانَهم على الله بِمعاصِيهم، كما روى أبو نُعَيْم
الأصبهاني رحمه الله عن جبير بن نفير، قال: (لما فُتِحَتْ قبرص فُرِّقَ
بين
أهلِها، فبكَى بعضُهم إلى بعضٍ، ورأيتُ أبا الدرداء جالِساً وحدَه يبكي.
فقلتُ: يا أبا الدرداء ما يُبْكيك في يومٍ أعَزَّ الله فيه الإسلامَ
وأهلَه؟ قال: وَيْحَك يا جُبَيْر، ما أهْوَنَ الخلقَ على الله إذا هم
ترَكُوا أمرَه! بَيْنَا هي أمةٌ قاهرةٌ ظاهِرةٌ لهم الملك؛ تركُوا أمرَ
الله؛ فصاروا إلى ما تَرَى!). [حلية الأولياء 1/115].
الدرس التاسع: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم: 27].
فالتثبِيتُ مِن عندِ الله عزَّ وجل.. {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}. [آل عمران: 126]. وسبحان الله الذي
ألَّفَ
بين قلوبِ التونسيِّين ؛ فكانوا على قلبِ رجلٍ واحدٍ بعد قَمْعٍ طويلٍ!
فلو
أنفَقَ أهلُ الدعوةِ والإصلاحِ ما في الأرض جميعا؛ ليخرجَ الشعبُ ثائراً
على (ابن علي) ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا!ِ فطالما دَفَعَ الإسلامِيّون
الثمنَ وَحْدَهم عشرين عاماً وقد عاش الشعب حقبةً طويلةً مِن الظلمِ لا
تسمَعُ لهم رِكْزاً! فلما أراد الله بِجَبَرُوتِه وكِبْريائه أنْ ينتقِمَ
مِن (ابن علي) ويُحَرِّرَ هذا الشعبَ بعد ثلاثةٍ وعشرين عاماً من الجحيم؛
ربَطَ على قلوبِ التونسيِّين وألَّفَ بينهم: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ
بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ
أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}.
[الأنفال: 62-63].
وإننا لَنَسْتَحْضِرُ في هذه الثورةِ التونسِيّة المباركة.. لُطفَ الله
وتوفيقَه.. وهو القائل جلَّ جلاله: {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ
وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى
الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}.
[الأنفال:
11-13].
الدرس العاشر: كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب!
سبحان الله.. ما أعْظَمَ هذا الدَّرْسَ وأبْلَغَه! أن يخرجَ التونسيّون
لِمُواجَهة الأمنِ الغَشُوم وهو يَرْمِيهم بالرصاص الحيِّ فلا يرجعون..
ويرى الناسَ مائةً من الشهداءِ يتساقطون بالرصاصِ.. ولا يَفِرُّون.. إنه
(الإيمان حين تُخالِطُ بشاشَتُه القلوب)! فلا يُبالِي الشعبُ بعد أنْ
عَرَفَ حلاوةَ الحقِّ ووَجَدَ بَرْدَ اليقين أنْ يقول لفرعون: {فَاقْضِ
مَا
أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72]،
{قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ}. [الشعراء:
50].
الدرس الحادي عشر: التضحية بالنفس ليحيا الناس:
سبحان الله.. كيف ثَبَّتَ الله آلافَ التونسِيِّين في ثورتِهم على
الظُّلمِ
وقد كان (ابن علي) وأعوانه فوقَهم قاهِرِين! فخرج الناسُ يَفْدُون
بِلادَهم
بأرواحِهم، كما فَدَى الغلامُ من أصحابِ الأُخْدُود دِينَه ودَعْوَتَه
بِرُوحِه ومُهْجَتِه: (فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِى
حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ
النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ
سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِى ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ
ثُمَّ
قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ. ثُمَّ ارْمِنِي؛ فَإِنَّكَ
إِذَا
فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِى. فَجَمَعَ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ
وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ
وَضَعَ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ
رَبِّ
الْغُلاَمِ. ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِى صُدْغِهِ فَوَضَعَ
يَدَهُ فِى صُدْغِهِ فِى مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ
آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ!). [صحيح مسلم 8/229. حديث 7703. باب قِصَّةِ
أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلاَمِ].
الدرس الثاني عشر: لا يُصْلِحُ عملَ المُفسِدين:
فقد حاول (ابنُ علي) الالتِفافَ على مطالِبِ الشعب، ومسايرةَ المطالِبِ
الشعبيّة كما صنعَ مِن قبلُ (سنةَ 1987) فاختطف شعاراتِ الناس، ورفع
أشواقَهم قبلَ أن ينقلِبَ عليهم بِسِياسَتِه المحارِبة لِهويّةِ تونس
الإسلامية وبالفساد السياسي والاجتماعي والمالي؛ فانظُرْ إلى خاتمة سفّاك
الدماء كيف كانت عاقِبَتُه مهينةً ذليلةً، وصار الناسُ يَرَوْن فيه
قُبْحَ
العاصِين وليس زَيْنَ العابدين! {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ
الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ
كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)}. [يونس: 81-82].
الدرس الثالث عشر: لا يحيق المكر السيء إلا بأهله:
فقد حاول ابن علي أن يمكر بالتونسيين إلى آخر لحظة من حكمِه! بنفس الكلمة
التي أطلقها الجنرال الفرنسي ديغول (لقد فهمتكم)؛ فاستجدى ابنُ علي شعبَه
واستعطفه! وابنُ علي هو ابنُ علي في مكرِه وخداعِه: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ
لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ
فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ}. [غافر: 37].
ولكنَّ إرادةَ الله الغالِبة ملأت قلوبَ التونسيِّين وَعْياً بمكرِ
الطاغية
{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ
إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ
وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ
مِنْ
شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا
قَدِيرًا (44)}. [فاطر: 43-44].
الدرس الرابع عشر: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ
اللَّهِ}:
وكلنا نؤمن بذلك، ولكن (ليس الخبر كالمعاينة) وواللهِ إنها لآيةٌ بيِّنةٌ
مِن آياتِ الله الباهِرة: أنْ يَفِرَّ الجلاد المستَبِدُّ مِن وَجْهِ
المستَضْعَفِين المقهُورِين بعد أكثرَ من عشرين عاما مِن تسلُّطِه عليهم
بحكمِه الظالِم المتجبِّر! وصدق الله العظيم: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ
قَلِيلَةٍ
غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ
الصَّابِرِينَ}. [البقرة: 249]. ومَن عاش محنةَ مُحارَبةِ الإسلام في
تونس
ومجيء هذا الفَرَجِ بحول الله وقوته؛ يُدْرك معنى قوله تعالى للصحابة في
أعظم نصر إسلامي: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ
أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. [آل عمران:
123].
الدرس الخامس عشر: تلك الأيام نداولها بين الناس:
لقد عشنا أكثرَ من عَقْدَيْن من الزمان نسمع نظامَ القهر في تونس يتبجح
بالهراوات الغليظة يُلهب بها ظهور الناس، حتى نكَّل بكلِّ صوتٍِ حُرّ،
وحارب كل مظاهر التدين من الحجاب إلى التضييق على المساجد والدعاة!
واليومَ
أين (ابن علي) وزبانيته المدجَّجُون بالسلاح والتدريب والاستخبارات،
وهواجس
الرعب وفنون التعذيب... إنها آياتُ الله في الآفاق وفي أنفُسِنا: فقد
تغلَّبَ الشعبُ التونسي بقوّةِ الله وجَبَرُوتِه على نظامِ الفسادِ
السِّياسي والاجتِماعي والاقتِصادي؛ فخرج الشعب عن بكرة أبيه بعد أن
ربَطَ
الله على قلبِه! لِيَفِرَّ الطاغية مِن وجهِه!
وسبحان الله.. كيف يداول الأيام.. وينصر الضعيف.. سبحان الله.. كيف يذل
القوي الغالب ويكبته؛ فيصير صاغرا ذليلاً؛ ولسان حاله: {مَا أَغْنَى
عَنِّي
مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)} [الحاقة : 28-29].
وهذا
درسٌ بليغٌ تَزِيدُنا ثورةُ تونس استحضارًا له. ومن خذله الله تبرأ منه
الناس {وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [التوبة:
74].
الدرس السادس عشر: مَنْ يُهِن الله فما له مِن مُكْرِم:
فما حصَلَ لابن علي بعد هُروبِه من رفضِ (ساركوزي) وغيرِه استقبالَه:
درسٌ
في الخذلان: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.
[الشورى: 8]. فتعالى الله الملك الحق {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي
الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}. [العنكبوت: 22]. فقد خذَلَ ابنَ علي أقرَبُ
الناسِ
إليه.. فلم ينفَعْه خليلٌ ولا صديقٌ حميم: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا
لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. [الحج: 18].
وكم من أصحابِ الوجهين ممن يتبعون كل ناعق، ويلهثون وراء الثراء الحرام
تنكروا له، وانظر إليهم اليومَ وهو يحاولون التنصُّلَ مما كسَبَتْ
أيديهم!
وقد كانوا مِن قبلُ مِن الْمُطَبِّلين لابن علي وعصابتِه! {فَتَرَى
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ
نَخْشَى
أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ
أَوْ
أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ
نَادِمِينَ}. [المائدة: 52]. وقد روى البخاري في باب (مَا يُكْرَهُ مِنْ
ثَنَاءِ السُّلْطَانِ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
(إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ
بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ) [7179]. وقَالَ أُنَاسٌ لاِبْنِ عُمَرَ
إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلاَفَ مَا
نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّهَا
نِفَاقًا. [صحيح البخاري 4/217، حديث 7178].
الدرس السابع عشر: فشل الدولة البوليسية:
لقد كان نظام ابن علي في (تونس) بأيامِه النحِسات النموذجَ الأفضلَ عند
أعداءِ الإسلام في نجاح القبضة الأمنية في لَجْمِ الإسلاميين وقَمعِهم
وإبعادِهم. فشاء الله عزَّ وجل بجبروته وكبريائه أنْ تكون كلمةُ الله هي
العُليا، وكلمة ابن علي هي السُّفْلى، ويكون ابنُ علي من الْمُبْعَدِين
المنبوذين؛ فصارَتْ صُوَرُه التي كانت تغطي سَماءَ تونس تُمَزَّقُ في
كلِّ
مكان؛ وأصبحَ بعد هُرُوبِِه من الأسفلين المقبوحِين.. {وأَصْبَحَ
الَّذِينَ
تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ
يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ
اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ} [القصص: 82]؛ لِيُذكِّرَ كلَّ طاغيةٍ مُستَبِدٍّ
بِمَصِيرِ
عادٍ المتبجِّحِين بالقوة: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ
يَرَوْا
أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً
وَكَانُوا
بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا
فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ(16)}.
[فصلت: 15-17]. فإنَّ في هذا المصير عبرةً بالغة لكل ظالمٍ وكلِّ محارب
لله
ورسوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ
مِنْهُمْ
بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ
وَهُوَ
شَهِيدٌ (37)}. [ق: 36-37].
وقد كَتَبَ الله الفشَلَ على عصابةِ الظلم والقمع والطغيان، وضَرَبَ الله
لنا في ذلك الأمثالَ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ
أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ
أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا
فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)} [القصص: 4-6].
الدرس الثامن عشر: دولة الظلم زائلة:
إن دولة الظلم إلى زوال وإن عَرْبَدَ فيها الباطل وتحالَفَ فيها الفساد
السياسي مع الفساد الاجتماعي والمالي! وما نموذج ابن علي عنَّا ببعيد!
فقد
كانت هذه العصابة تُدمِّر بلدَ الزيتونة وعقبة بن نافع بالاعتداءِ على
هويّة البلاد الإسلامية وعلى ثرواتِها البشرية والاقتصادية: فكانت عاقبة
السَّوْء تَعُمُّ جميعَ المفسِدين، وتدبَّرْ هذا المعنى في قولِ الله عز
وجل: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}.
[القصص: 8]. وقارِنْ ذلك بما كشَفَتْه وثائقُ ويكيلكس عن (مافيا نظام ابن
علي)، والمافيا هي العصابة المفسِدة التي يشترك فيها الطاغية السياسي
(فرعون) والوزارة الفاسدة من بطانة السوء (هامان)، بالاشتراك مع عصابة
رجال
الأمن المفسدين (وجنودهما)، وكل هؤلاء يحذرون خسران مملكة الفساد التي
يتربعون عليها: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ
مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}. [القصص: 6].
الدرس التاسع عشر: خطورة التحالف بين الفساد المالي والسياسي:
ويُضِيفُ القرآنُ إلى شبكة الفساد السياسي والأمنِي الفسادَ المالي
(قارون): {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ
(23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
(24)} [غافر: 23-25]. وهذا الاشتراك البليغُ بين الفسادِ المالي والسياسي
في التعبيرِ القرآنِي المعجِز يُبَيِّنُ سببَ سُقوطِ الدولِ وهلاكِ
الأنظمة
الفاسِدة سياسيا وماليا واجتماعيا.
وما نُشاهِده في بعضِ دولِنا العربية مِن ظاهرةِ تحالُفِ رجالِ الأعمالِ
المشبُوهِين مع رجال الحكم المفسِدِين في غاية الخطورة. فهذا التحالُفُ
يُمثِّل أعظمَ مُهدِّدٍ لاستِقْرارِ دُوَلِنا العربية، وقد حارب النبِيُّ
صلى الله عليه وسلم هذه الطبقيّة المنحرِفة، وأرْسَى مبادىء العدالة
الاجتماعية، كما روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
(أَنَّ
قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي
سَرَقَتْ فَقَالَ: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه
وسلم فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ
حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ
اللهِ
ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ
قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ
تَرَكُوهُ،
وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ
اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ
يَدَهَا). [صحيح البخاري 4/213، حديث 3475].
ويعلم أربابُ العقول أنه: لا استقرار في دولةٍ يتفشى فيها الظلم والفساد
والعدوان، ولن تستقر دولنا العربية إلا بالمصالحة مع هويتها الإسلامية
ومع
علمائها وأصحاب العقول والحكمة فيها، ولن تنهض إلا إذا تبدلت مجالسُ
اللهو
بمجالس العلم كما قال أبو الحسن الفالي:
لما تبدّلت المجالسُ أوْجُهاً * غيرَ الذين عَهِدْتُ مِن علمـائها
ورأيتُها مَحفُوفةً بسِوى الأُلَى * كانوا وُلاةَ صُدورِها وفنائها
أنشَدتُ بيتا سائرا متقدِّما * والعينُ قد شرقت بجاري مائها
أما الخيام فإنها كخيامِهم * وأرى نساءَ الحـيِّ غير نسائها!
[البداية والنهاية 12/87].
الدرس العشرون: من أحرق شعبَه أذَلَّه الله:
ولا شك أن هذا الذل الذي عاشه الرئيس الفار من شعبِه؛ كان بسبب إفسادِه
في
البلاد، وإحراقِه الأخضرَ واليابسَ. فقد تسبَّبَ ابنُ علي في حَرْقِ محمد
البوعزيزي نفسَه؛ حين سدَّ في وَجهِه أبوابَ العيشِ الكريم والرزق الحلال
وحرمَه حقَّه في العمل وهو من أصحاب الشهادات العليا؛ فدفَعَه بهذا الظلم
والقهرِ إلى حالةِ اليأسِ التي انتهَتْ به إلى ِحرقِ نفسِه. وهو من
كبائرِ
الذنوب؛ نسأل الله أن يعفُوَ عنه لرحمتِه وفضلِه..
ونحن إذْ نترحَّمُ على البوعزيزي ونستغفر له، وننهى الشبابَ عن تقليدِه
في
ارتكابِ هذه الكبيرةِ، نرجو أن يكون مصيره ما رواه مسلم رحمه الله في باب
(الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ لاَ يَكْفُرُ) عَنْ جَابِرٍ
أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِىَّ (هَاجَرَ إِلَى
الْمَدِينَةِ،
وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ
[كرهوا
المقام بها لضرر لحقهم]؛ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ [جمع
مشقص وهو نصل السهم] فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ [العقد التى فى ظهور
الأصابع يجتمع فيها الوسخ واحدتها برجمة]؛ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ [سال الدم
منها]، حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِى مَنَامِهِ
فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ
مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِى بِهِجْرَتِى إِلَى
نَبِيِّهِ
صلى الله عليه وسلم! فَقَالَ مَا لِى أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ
قِيلَ لِى لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ). [صحيح مسلم 1/76،
حديث 326]. قال القاضي عياض رحمه الله: "في هذا الحديث غفران الله تعالى
لهذا قتله نفسه، وفيه دليل لأهل السنة على غفران الذنوب لمن شاء الله
تعالى، وشرح للأحاديث قبله الموهم ظاهرُها التخليد وتأبيد الوعيد على
قاتل
نفسه، وردٌّ على الخوارج والمعتزلة، وفيه مؤاخذته بذنبه ومعاقبته، وهو رد
على المرجئة".[إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض 1/270]. وقال
النووي: "فِيهِ حُجَّة لِقَاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ لأَهْلِ السُّنَّة أَنَّ
مَنْ
قَتَلَ نَفْسه أَوْ اِرْتَكَبَ مَعْصِيَة غَيْرهَا وَمَاتَ مِنْ غَيْر
تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَلا يُقْطَع لَهُ بِالنَّارِ، بَلْ هُوَ
فِي
حُكْم الْمَشِيئَة. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان الْقَاعِدَة وَتَقْرِيرهَا.
وَهَذَا الْحَدِيث شَرْح لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْله الْمُوهِم
ظَاهِرهَا تَخْلِيد قَاتِل النَّفْس وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب الْكَبَائِر
فِي النَّار، وَفِيهِ إِثْبَات عُقُوبَة بَعْض أَصْحَاب الْمَعَاصِي
فَإِنَّ هَذَا عُوقِبَ فِي يَدَيْهِ". [شرح النووي على مسلم 1/230]. وقال
الطحاوي: "كان لإشفاقه صلى الله عليه وسلم عليه ولعمل الخوف من الله كان
في
قلبه فدعا له بذلك". [بيان مشكل الآثار للطحاوى 1/112]. وقال ابن الجوزي
رحمه الله: "وإنما تركت يداه على حالها وقد كان يمكن أن تعمها المغفرة
فتصلح؛ ليعلم قدر هذا الذنب محذِّرا السامع للحال من مثله". [كشف المشكل
من
حديث الصحيحين 1/747].
وقد روى البخاري ومسلم في باب (سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ) عن النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى
بَنِيهِ فَقَالَ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِى ثُمَّ اسْحَقُونِى
ثُمَّ
اذْرُونِى فِى الرِّيحِ فِى الْبَحْرِ ـ وفي رواية: نِصْفَهُ فِى
الْبَرِّ
وَنِصْفَهُ فِى الْبَحْرِ [صحيح مسلم 8/97، حديث 7156] ـ فَوَاللَّهِ
لَئِنْ قَدَرَ عَلَىَّ رَبِّى لَيُعَذِّبُنِى عَذَابًا مَا عَذَّبَ بِهِ
أَحَدًا. قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ لِلأَرْضِ أَدِّى مَا
أَخَذْتِ. فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا
صَنَعْتَ فَقَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ - أَوْ قَالَ - مَخَافَتُكَ.
فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ).[صحيح البخاري 4/214، حديث 3478. وصحيح مسلم
8/97،
حديث 7157، واللفظ له].
وقد روى البخاري حديثَ الرَّجُلِ الذي (كَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ،
فَكَانَ
يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ؛
لَعَلَّ
اللَّهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا! قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ
عَنْهُ). [صحيح البخاري 4/214، حديث 3480]. اللهم ارحَمْ البوعزيزي
واغفِرْ
له، واهْدِ شبابَنا أنْ يحافظوا على أنفُسِهم وينفَعُوا أُمَّتَهم. وارحم
شهداءَ الثورة التونسية، وشهداءَ الإسلام جميعا.
خاتمة: ورَحِمَ الله فضيلةَ الشيخ محمد علي الطريفي شيخ علماء
السودان؛ فقد كنت أنشده وأنا أشتاقُ إلى تونس متمثلا قولَ الشاعر:
أسِرْبَ القَطا هل مَن يُعيرُ جَناحَه * لعلِّي إلى مَن قد هَوِيتُ
أطِيرُ!
فيُجِيبُني فضيلة الشيخ رَحِمَه الله داعيا على مَنْ حَرَمَنا من ذلك:
وأيُّ قطاةٍ لم تُعِرْك جَناحَها * تعيشُ بذلٍّ والجناحُ كَسِيرُ!
فالحمد لله الذي أذلَّ هذا الظالِمَ، وشفى صُدُورَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ وأذْهَبَ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ! وتلك عاقبة الفاسقين: {ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ
فَإِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ
تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)}. [الحشر: 4-5].
وسبحان الله من كان يدور في خَلْدِه أنَّ أعْتَى دولةٍ بوليسيّة يمكن أن
تتهاوى حلقاتها في لحظات: بعد أن كانت كابوسا خانقا، وهَمّاً في القلب
وغُصّةً في الحلق؛ فكسر عز وجل بِقُوّتِه حاجز الخوف، وطوى صفحةً سوداءَ
من
تاريخ حُكّام القهر في تونس: {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)}. [الحشر: 2].
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلِه وصحبِه ومن والاه.
دروسٌ قرآنية
من
الثورة التونسية