الإسلام أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق؛ وذلك حينما قرر مبدأ كرامة الإنسان باعتباره إنساناً؛ فالناس جميعاً أمة واحدة، ربهم واحد، وأصلهم واحد. يقول البارئ جل وعلا -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. ويقول جل في علاه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 31]. وبذلك نجد فساد دعاوى بعض الأمم المعاصرة بأسبقيتها في وضع حقوق الإنسان كما أدعى الإنكليز والفرنسيون مثلاً.
فالإسلام كما قرر في القرآن الكريم منذ أكثر من خمسة عشر قرناً هذه الحقوق كما أشرت إليه في بعض الآيات القرآنية الكريمة، وكما تحدث الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع السنة العاشرة للهجرة؛ حيث جاء فيها: «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى ألا هل بلغت اللهم فاشهد»[1].
وقد تضمنت هذه الخطبة الجليلة مضامين عظيمة يمكن تلخيصها بما يلي[2]:
1 - حرمة الدماء والأموال والأعراض، وهو ما اجتمعت عليه الشرائع الإلهية كلها.
2 - ترسيخ التوحيد والقضاء على كل مظاهر الشرك والوثنية.
3 - امتثال الأمر لما يأمر به الله، وانتهاؤه عما ينهى عنه والبدء في ذلك بنفسه صلى الله عليه وسلم وآل بيته وقرابته.
4 - الوصية بالنساء وبيان ما لهم وما عليهن في بيت الزوجية.
5 - الوصية بالتمسك بالكتاب والسنة والاعتصام بهما.
6 - إشهاده صلى الله عليه وسلم الناس على إبلاغه للدين الحنيف الذي ختم الله به الرسالات السماوية.
وبهذه المضامين الإنسانية الرائعة في حفظ حقوق الإنسان نجد أن الإسلام سبق كل النظم والحقوق الإنسانية التي جاءت منظمة لهذه الاحتياجات الإنسانية، سابق بكل جدارة لما عرف بميثاق حقوق الإنسان والصادر عام 1948م، فالإسلام سبق هذا الميثاق بـ (1350) سنة.
وقد تمت مناقشة هذه المسألة بدراسات عديدة أهمها - على سبيل المثال لا الحصر - كتاب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله (حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة)، الذي انتهى فيه إلى نتائج ومقررات مهمه، منها:
1 -أن الحقوق التي تضمنها البيان العالمي لحقوق الإنسان، هي من أبجديات التعاليم الإسلامية المقررة في ديننا الحنيف.
2- أصالة وتميُّز المنهج الإسلامي في حفظ حقوق الإنسان؛ لوضعه آليات وحقوق الإنسان وحفظها.
3- حديث الحضارة الغربية عن مبادئ حقوق الإنسان هي أثر من آثار الفكر الإسلامي التي انتقلت للغرب عبر وسائط الاتصال والتفاعل التاريخي الذي اعترفوا به، ويكفي أن الميثاق الدولي لحقوق الإنسان احتفى بالمقولة المأثورة عن الخلفية الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟"
ومن المعلوم للمتأمل في القيم الإسلامية النبيلة أن ديننا الحنيف قد سوَّى في تطبيق هذه المبادئ بين المسلمين وغير المسلمين؛ فيقرر أن للذميين في البلد الإسلامي أو في أي بلد خاضع للمسلمين، أن لهم ما للمسلمين من حقوق عامة وعليهم ما على المسلمين، ويجب على الدولة المسلمة أن تقاتل عنهم باعتبارهم من رعاياها كما تقاتل عن جميع أبنائها، وأن تطبِّق عليهم الأحكام والنظم والقوانين القضائية التي تطبَّق على المسلمين؛ إلا في ما يتعلق منها بشؤون الدين فتحكِّم فيه عقائدَهم وشعائرَهم؛ فلا توقع عليهم الحدود الإسلامية في ما لا يحرمونه ولا يعاتبون أنفسهم عليه.
وقد بالغ الإسلام في تسامحه مع الذميين والمعاهدين واحترام حوزتهم، ومما يروي في هذا الباب أحاديث نبوية منها: «ألا من ظلم معاهدا ، أو انتقصه حقه ، أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه ، فأنا حجيجه يوم القيامة » صحيح الجامع (2655).
ويقول عمر بن الخطاب في كتاب له إلى عمرو بن العاص أثناء ولايته على مصر مشيراً إلى الحديث السابق: "إن معك أهل الذمة والعهد فأحذر يا عمرو أن يكون رسول الله خصمك"، ويقول في عهده لأهل بيت المقدس عقب فتح المسلمين للقدس: "هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وسائر ملتها؛ ألا تُسكَن كنائسهم ولا تُهدَم لا ينتقض منها..." وروى يحيى ابن آدم في كتابه (الخراج) أن عمر لما تدانى أجله أوصى مَن بعده وهو على فراش الموت بقوله: "أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وألا يكلفهم فوق طاقتهم"[3].
هذه بعض حقوق الإنسان في الإسلام ضمنت حقوق الإنسان بشكل جليّ وبصورة واضحة سبقت حقوق الإنسان المعاصرة.
فهل يدَّعي أدعياء هذه الحقوق بدعوى أن الإسلام ظلم غير المسلمين ولم يعطهم حقوقهم؟
إن كثيراً من عقلاء غير المسلمين طالبوا بتطبيق حقوق الإنسان الإسلامية عليهم ليضمنوا كرامتهم وحريتهم وحقوقهم الدينية والدنيوية؛ فمتى يعي ذلك بعض سفهاء النصارى واليهود والذي يدَّعون بمظلوميتهم في الإسلام وأحكامه والحقيقة أنهم يجهلون هذه الحقوق التي أعطيت لهم والله المستعان.
_______________________
[1]السيرة النبوية في القرآن والسنة د. محمد أبو شهبة (بتصرف).
[2] مجلة البيان العدد 280 (مضامين خطبة النبي في عرفة/ إبراهيم الحقيل).
[3]حقوق الإنسان في الإسلام د. علي عبد الواحد وافي (بتصرف).
28/03/33 هـ
أحمد بن عبدالعزيز العامر
المصدر: مجلة البيان