السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم - أعلى الله مقامكم -
هل يجوز للإنسان أن يسأل المشايخ والعلماء عن كلِّ ما بدا له ، وعن أي أمرٍ يريده حتى لو كان الجهلُ به لا يؤثِّر على دينه أو عبادته وعقيدته ؟
أمْ أنَّ هذا داخِلٌ ضِمن ( كثرة السُّؤال ) التي نهى عنها عليه الصلاة والسَّلام ؟
وإذا تكرّمتم - أحسن الله إليكم - ، هل تذكرون الضَّوابِط في الاستفتاء مع كلمة توجيهية للمستفتين حول ما يجِب عليهم أن يسألوا عنه ؟
وفقكم الله فضيلة الشيخ ورضي عنكم وأرضاكم ويسّر الله أمركم ووسَّع الله عليكم كما وسّعتم على عباده ويسّر لكم كل أمرٍ وسخّره في طاعته كما يسّر فضيلتكم على النَّاس .
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
مِن الناس مَن يسأل عن كل شيء تَقَع عليه عينه !
ومِن الناس مَن لا يُحسِن السؤال .
ومنهم مَن يسأل عن أشياء لا تهمّه ويترك ما يهمّه ، وما سوف يُسأل عنه يوم القيامة .
ومِن الناس مَن يسأل ويُغلِّف الإجابة مع السؤال ! كأنه يقول : أجبني بهذا الجواب الذي قلتُ لك !
قال ابن القيم عن العِلم وتحصيلِه : فمن الناس من يُحْرَمه لعدم حُسْنِ سؤالِه ، أما لأنه لا يسألُ بحال ، أو يسألُ عن شيء وغيرُه أهمُّ إليه منه ، كمن يسألُ عن فُضُولِه التي لا يَضرُّ جهلُه بها ، ويَدعُ ما لا غِنى له عن معرفتِه ، وهذه حالُ كثيرِ من الْجُهّال المتعلِّمين ، ومِن الناس من يُحْرَمه لِسُوءِ إنْصَاتِه ، فيكونُ الكلامُ والمماراةُ آثَرَ عنده وأحَبَّ إليه مِن الإنصات ، وهذه آفةٌ كَامِنةٌ في أكثرِ النفوسِ الطَّالِبةِ للعِلْمِ ، وهي تمنَعُهُم عِلْماً كَثيرا ، ولو كان حَسَنَ الفهم .
ذَكَر ابن عبد البر عن بعض السلف أنه قال : مَن كان حَسَنَ الفهم رَديءَ الاستماع لم يَقُم خَيْرُه بِشَرِّه .
وذَكَر عبدُ الله بنُ أحمد في كتاب العِلل له قال : كان عروةُ بنُ الزبيرِ يُحِبُّ مماراةَ ابنِ عباسٍ ، فكان يَخْزِنُ عِلمَه عنه ، وكان عبيدُ الله بنُ عبدِ الله بنِ عُتبة يُلَطِّفُ له في السُّؤال فَيَعِزُّه بالعِلْم عزّا .
وقال ابن جريج : لم أسْتَخْرِج العِلْم الذي اسْتَخْرَجْتُ مِن عَطَاء إلاّ بِرِفْقِي بِهِ .
وقال بعض السلف : إذا جَالَسْتَ العَالِم فَكُن على أن تَسْمَعَ أحْرصَ منك على أن تَقول . اهـ .
وقد الّف أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله كتابا بعنوان : أدب الفتوى وشروط الْمُفْتِي وصِفة الْمُسْتَفْتِي وكيفية الفتوى والاستفتاء .
ونَقَل عنه الإمام النووي في مقدمة " المجموع " في باب في آداب الفتوى والْمُفتِي والْمُسْتَفْتِي .
قال ابن الصلاح : ينبغي للْمُسْتَفْتِي أن يتأدّب مع المفتى ويُبَجِّله في خطابه وسؤاله ونحو ذلك ، ولا يُومئ بِيده في وَجهه ، ولا يَقُل له : ما يَحفظ في كذا ؟ أو ما مذهب إمامك أو الشافعي في كذا ؟ ولا يَقُل إذا أجابه : هكذا قلتُ أنا ! أو كذا وَقَع لي ! ولا يَقل : أفتاني فلان أو غيرك بكذا ...
ولا يسأله وهو قائم أو مُسْتَوفِز ، أو على حالة ضَجر ، أوْ هَمّ به ، أو غير ذلك مما يَشغل القلب .
وذَكَر النووي أن مِن آداب الْمُسْتَفْتِي أن يقول : ما تقول رحمك الله ؟ أو : رَضِي الله عنك ؟ أو وفقك الله وسددك ورَضي عن والديك ؟ ولا يَحْسن أن يَقول : رَحِمَنا الله وإياك . اهـ .
ورأيت مِن الناس مَن ينسخ موضوعا كاملا ! ولا يُكلِّف نفسه اختصاره ، ولا الاقتصار على السؤال عما أشكل عليه .
وفي الصحيحين أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا .
وقال عليه الصلاة والسلام : إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ . رواه مسلم .
وكان الصحابة رضي الله عنهم يكرهون كثرة السؤال ، ويَكرهون السؤال عمّا لم يقع .
سئل عَمّار رضي الله عنه عن مسألة , فقال : هل كان هذا بَعْد ؟ قالوا : لا , قال : فدعونا حتى يكون , فإذا كان تَجَشَّمْنَاه لكم .
وقال عمرو بن مرة : خَرَج عُمَر على الناس فقال : أُحَرِّج عليكم أن تسألونا عَمّا لم يكن , فإن لنا فيما كان شُغلا .
وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه إذا سُئل عن الشيء , يقول : كان هذا ؟ فإن قالوا : لا , قال : دَعُوه حتى يكون .
وجَرى على ذلك عَمَل الائمة مِن بعدهم .
قال ابن وهب : حَدَّث مالك , قال : أدْرَكْت هذه البلدة وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي فيه اليوم .
والله تعالى أعلم .
الشيخ
عبد الرحمن السحيم